عباءات على رقعة الشطرنج
هذه ثقافتنا جميعاً، ثقافة القبائل لا ثقافة الدول. باستطاعتكم ان تتمتعوا بقهقهات دونالد ترامب وحتى بقهقهات يوشع بن نون، ومن البيت الابيض الى حائط المبكى.
اين الشفافية في تبيان الاسباب التي جعلت العلاقات تنفجر، هكذا، على ذلك النحو الدراماتيكي بين المملكة العربية السعودية و.... امبراطورية قطر؟
الدولتان كانتا في خندق واحد في سوريا، وفي العراق، وفي اليمن. والتطابق كان مطلقاً بين شاشتي الجزيرة والعربية حيال سائر ازمات المنطقة.
وحين كان القطريون يفتحون الباب امام تركيا لاقامة قاعدة عسكرية، كان السعوديون يستقبلون رجب طيب اردوغان على انه السلطان محمد الفاتح.
الم يظهر احمد داود اوغلو في احد المجالس الوزارية في جامعة الدول العربية وكأنه عرّاب العرب الذي يزيل سوريا (سوريا يا جماعة) عن مقعدها دون ان تنجح محاولات شتى في احلال تلك الهياكل الخشبية محلها؟.
ما هي قنبلة دونالد ترامب التي فجرت مجلس التعاون الخليجي؟ وهل حقاً ان الثمن الذي دفع للرئيس الاميركي، الغارق في الوحول وفي الفضائح، توّج الامير محمد بن سلمان ملك ملوك العرب؟
الكتاب الخليجيون الذين يفكرون خارج السياق الاوركسترالي للقبيلة، سألوا وتساءلوا ما اذا «كنا عبيد الله ام عبيد اميركا؟».
من يستطيع ان يتصور ان قطر، بامكاناتها الديموغرافية المحدودة جداً، انتشرت هكذا على اكثر من ساحة، واحرقت اصابعها في اكثر من ازمة. كما تركت العنان لانياب فيصل القاسم واظلافه، كانت بمنأى عن الاستراتيجية الاميركية التي تتوخى بعثرة العرب، ثم بعثرتهم المرة تلو الاخرى، على رقعة الشطرنج.
في اي مكان من العالم تحدث خلافات بين دول متباعدة حضارياً وثقافياً وايديولوجياً وتاريخياً، ومع ذلك لا تذهب الامور الى ذلك الحد. الشيء الوحيد الذي لم يقم به السعوديون هو اعلان الحرب على تميم بن حمد آل ثاني.
دولتان عربيتان متجاورتان ومتداخلتان في كل شيء الا في هاجس القيادة والتحكم، يصل بهما الخلاف، وتحت عناوين خادعة، حد ان احداهما لا تكتفي بحظر تحليق طائرات الدولة الاخرى في اجوائها، بل وتعطي رعاياها مدة 14 يوماً ليس فقط لتصفية اعمالهم بل ولتصفية وجودهم فيها.
الاميركيون لديهم كل المعلومات حول من انتج التنظيمات الارهابية، وحول من موّل او استخدم هذه التنظيمات لدوافع تكتيكية وتتعلق بالدور ما دامت الرؤية الاستراتيجية غير موجودة البتة في قاموس (قواميس) القبائل.
حصار على قطر لانها تدعم الارهاب وتهدد الامن الاستراتيجي لدول الخليج. كيف؟
لا احد يشكك قطعاً في ان «الاخوان المسلمين»، وان سلكوا خط الافاعي، ليسوا اكثر من اداة في يد جهاز الاستخبارات هذا او ذاك. ولا ريب انهم اتخذوا من الدوحة ملاذاً، ولكن من لا يعرف ان اجهزة الاستخبارات الاميركية كانت على تواصل، وعلى ارض الدوحة بالذات، مع «الاخوان»، ومع «طالبان» وكل المشتقات الاخرى.
الآن يفترض بقطر ان تقفل قناة «الجزيرة». لا امبراطورية اعلامية بعد الآن، وان تطرد رجال «حماس» من اراضيها مع انهم تحولوا الى «حالات بيروقراطية ومستعدة لاقامة الدولة الفلسطينية في غزة»، وان تقطع كل علاقاتها مع ايران والى حد وقف استثمار حقل الغاز المشترك الذي يشكل للبلدين ثروة مستقبلية بعيدة المدى.
ما يجري حلقة في سيناريو الصراع. اين انقرة لاغاثة الحليف الايديولوجي والاستراتيجي؟ رجب طيب اردوغان الذي يعرف ان هذه احوال العرب حائر ومشتت.
اياً يكن شكل التسوية، النيران تبقى تحت الرمال. في نهاية المطاف.... عباءات على رقعة الشطرنج!!