بحر الصين... إشكالية النظام العالمي الجديد

16.09.2017

لا يستطيع عاقل أن يعلق على العنوان وما علاقتنا ببحر الصين، فما عندنا كافٍ ليشغل اهتمامنا وأكثر، فالدولة العظمى التي تقود الحروب علينا هي أميركا، والطبيعي أن نهتمّ لمواجهتنا معها بثلاثة أشياء على الأقلّ، خصومها ومدى صلاحيتهم كحلفاء لنا، وخططها ونسبة الأولويات فيها لإدراك مدى فعالية مواجهتنا وانتصاراتنا في الميدان في إنتاج معادلات سياسية مستقرة، وكيفية تغيّر النظام العالمي وتوازناته الجديدة بفعل كلّ المتغيّرات المحيطة به. وفي الثلاثة سنجد الصين أمامنا، فهي خصم أول للهيمنة الأميركية وشريك فاعل في أيّ نظام عالمي قديم وجديد، وهي اليوم أولوية أميركا، فكيف إنْ كان لعقلنا أن ينتبه أنّ السياسة في كثير من وجوهها مولود للاقتصاد، الذي تتقدّم الصين لاحتلال مرتبة عالمية أولى فيه، كمستهلك للطاقة التي تشكل أحد أهمّ موارد منطقتنا، وكمنتج للسلع التي تشكل بلادنا سوقاً حيوية لها، وكطامح لدخول العالم القديم الذي تتوضّع جغرافيتنا في قلبه؟

 يشكل بحر الصين المنطقة الجغرافية المضطربة التي تبدو المرشح الأول للحلول مكان منطقتنا في تصدّر الأحداث والنزاعات، فعلى شواطئه تدور مواجهة عالية التوتر، يريد الأميركي عبرها الإمساك بمفاتيحه، ومنع الصين من جعله بحيرة إقليمية، تقرّر توازناتها معادلات القوى المتشاطئة عليه، والأميركيون موجودون على ضفاف هذا البحر من كوريا الجنوبية واليابان، وأندونيسيا والفيلبين، وفيتنام، ويراهنون على عرقلة المشروع الصيني القائم أصلاً على مفهوم البحيرة الإقليمية التي يديرها الشركاء الطبيعيون جغرافياً، بتدويل بحر الصين وأزماته. وهذا يستدعي تصعيد الأزمات بين الجيران ورفع منسوب التوتر وصولاً لتبرير التدويل العسكري لهذه الأزمات. ومشكلة بورما التي تزعج الصين، ليس لأنها هي الطرف المعني باضطهاد المسلمين هناك، بل لأنها تدرك أنّ الإثارة الأميركية للقضية نابعة من مسعى للتدويل وزرع قوات أجنبية على حدود الصين، تندرج في إطار الصراع الصيني الأميركي بين الأقلمة والتدويل، ومثلها القضية الكورية، ومثلهما الجزر الصناعية الصينية في بحر الصين، ليصير نشر المنظومات الصاروخية الأميركية التي تهدّد الأمن الصيني، كمنظومة ثاد الحديثة، مبرّراً ويملك غطاء تصنعه مخاوف وهواجس دول يشتغل الأميركيون على جعلها تحت تهديد الصين وحلفائها، لتطلب الحماية الأميركية، تماماً كما هو حال التعامل الأميركي في الخليج بقوة إنتاج الذعر من إيران.

الصين شريك العرب والمسلمين وسائر شعوب المنطقة في مواجهة مشاريع الهمينة الأميركية، وقائدة العالم الصاعدة اقتصادياً، وفي آسيا التي تشكل ثلثي العالم سكاناً ومساحة تشكل الصين ثلث سكانها، وتشكل روسيا ثلث مساحتها، ومثلما أنتج التفاهم مع روسيا معادلة بدأت تغيّر العالم، فإنّ اكتمال ولادة نظام عالمي جديد ينتظر تبلور مستقبل التوازنات في بحر الصين، وما يجب أن يهتمّ به المعنيون بقضايا الحرية والاستقلال في بلادنا، هو أن لا يتخذوا أحد الموقفين المتطرفين من قضية مسلمي بورما، فيصبّون الماء في

الطاحونة الأميركية، إما بتجاهل القضية وإنكار وجودها، واعتبارها مجرد فبركة أميركية، أو حركة داعشية، كما يتحدّث البعض ظناً منهم أنهم يخدمون الصين بتكرار ما تقوله وسائل إعلامها، أو بالمشاركة في إثارة صاخبة للقضية ينجح الأميركي بتوظيفها لتدويل أمنها والتموضع بذريعتها على حدود الصين، إن إيران تبدو المعني الأول بحوار مع الصين يخرج بتفاهم على الدعوة لحلّ إقليمي ترعاه دول الجوار لبورما، وهي الصين والهند وبنغلادش وتايلاند، يضمن أمنها ومن ضمنه أمن المسلمين فيها، ويقطع الطريق على اللعبة الأميركية الخبيثة بذريعتها.

 تبقى صواريخ كوريا الشمالية رادع لا غنى عنه، حتى يستسلم الأميركيون لخيار التفاوض لحلّ سياسي، ويفهم اليابان وكوريا الجنوبية أنّ الحلّ يكون إقليمياً أو لا يكون.