بعد كورونا... انتقال لنظام عالمي جديد... ورسم لجيبوليتك مختلف

04.04.2020

أحدث فايروس كورونا المسبب لمرض "كوفيد19" صدمة كبرى على مستوى العالم بسرعة انتشاره والتداعيات السلبية التي طالت معظم القطاعات العالمية وكذلك نسب الوفيات العالية في القارة الأوروبية التي شكلت ثلثي الإصابات والوفيات في العالم .

انطلق فيروس كورونا بانتشاره من ثاني أكبر اقتصاد عالمي وهو الصين، وعطّل النشاط الاقتصادي في معظم الدول التي باتت معزولة عن بعضها البعض، مما شكّل تحدياً كبيراً للنظام الاقتصادي العالمي القائم على حرية التجارة (العولمة الاقتصادية) بما تمثله من شركات عملاقة وأسواق المال وكبار رجال الأعمال في العالم.

تداعي للرأسمالية وترقّب لأزمة ركود مقبلة:

" كنا نتفحص الصدمات المحتملة في الأفق نظراً لهشاشة النظام المالي القائم منذ عام 2008، إلا أن أحداً لم يتوقع ما يحدث الآن"، هذا ما قاله ريتشارد بايت رئيس قسم العولمة والاستراتيجيات التنموية في منظمة "الأونكتاد" وهذا ما يعكسه تدني و(فشل) النظام الرأسمالي العالمي في مواجهة هذا الوباء، على وجه الخصوص الدول الأوروبية التي تنادي (بالإنسانية والحريات)، كما نشهد يومياً مئات الوفيات في تلك الدول دون وجود أية حلول مجدية تقوم بها حكوماتهم، كما تشهد أزمات كبيرة في تأمين الغذاء والسلع الأساسية للمواطنين نتيجة احتكار واستغلال كبرى الشركات والمصانع العالمية لهذا الوباء في زيادة أرباحها وسيطرتها على العالم.

وتوقعت منظمة"أونكتاد" بحدوث انهيار للأصول المالية في العالم بشكل مفاجئ، وانخفاض النمو بمقدار 2.5 % وعجزاً في الدخل بقيمة 2 تريليون دولار منها 220 مليار دولار في الدول النامية.
كما أن تطبيق العديد من الدول الأوروبية ( ألمانيا، بريطانيا، إسبانبا...) لسياسة ( حصانة القطيع) والتي تتمثل في ترك الوباء ينتشر بين المواطنين بحيث أن المواطنين ذوي المناعة الأقوى يبقون والمسنين وذوي المناعة الأضعف يموتون وهذا يعود للكثير من السياسات التي ترغب تلك الدول في تجاوزها والاستفادة منها.

الاقتصاد الصيني محرّك للاقتصاد العالمي:
يعتقد العديد من المراقبين أن الصين ستستثمر نجاحها في محاربة الفيروس في فرض نفسها كمحرّك أساسي ومنقذ للاقتصاد العالمي، حيث نشرت مجلة ( فورين أفيرز ) الأميركية تقريراً مفاده أن الولايات المتحدة لم تتصرف "كقائد" في الاستجابة لهذا الفيروس، كما سارعت للانغلاق على ذاتها ورفض مساعدة البلدان الأخرى في  ظل هذه الجائحة.
ومن جانب آخر تقوم روسيا بتكريس نفوذها الواسع من خلال إرسالها لمساعدات مباشرة لكل من( إيطاليا وصربيا والولايات المتحدة) وهذا سيفتح الباب مستقبلاً  لإحداث تغيير في الجيوبوبيتيك العالمي، فروسيا لن تغفل هذه الفرصة في تحقيق ( مشروع التكامل الأوراسي) لإبعاد أوروبا من تحت المظلة الأميركية .
 

انهيار أم استمرار؟

بات واضحاً أنه سيكون لوباء كورونا تداعيات اقتصادية خطيرة، ومعظم الدول ستحاول بعد هذه الجائحة لاستنهاض اقتصادياتها، وبوجود سيناريوهات متعددة منها ما يقول بتفكك الاتحاد الأوروبي ومنها ما ينفيه، ويمكن القول هنا بأنه من الصعوبة تفكك هذا الاتحاد لعدة أسباب تقتضي بوجود قواسم مشتركة وخاصة على صعيد القطاع الزراعي الذي يعمل به قرابة 44 مليون شخص و وجود تعاون تعاون وظيفي لهذه الدول، كما أن الاتحاد سيحتاج في المرحلة المقبلة للتعاون بين أعضائه لمواجهة مفرزات هذه الأزمة العالمية.
في المحصلة لاشك أن فايروس كورونا شكّل تحدياً كبيراً سيعكس إعادة نظر في التحالفات والاستراتيجيات العامة على مستوى العالم، كما فرض الوباء ضرورة أمنية ملحّة لتعاون كل القطاعات والمؤسسات في دول العالم بشكل جماعي لتجاوز هذا الوباء، فالعالم سيضحي مختلفاً بعد(كورونا) عمّا كان قبله، وستظهر تكتلات جديدة تعكس فشل الأحادية القطبية في إدارة عالم تكثر في التناقضات وتتعقد يحتاج لتعاون وتنسيق كامل بين الفواعل الكبرى.